لم يكن مجرد قلق ما ينتابه عند رويته الخنازير، فلقد كان الأمر أكبر من ذلك، كان عبارة عن نوبة هستيرية تعتريه لدرجة ترتجف معها أوصاله.
وجه آخر غير معروف كثيرا لأدولف هتلر، الزعيم النازي الذي عرفه معاصروه والأجيال اللاحقة عسكريا صلبا وشخصية قوية منذ الطفولة، لم يكسرها حتى الجوع.
كان الأمر يبدو غريبا بالنسبة لذلك الفتى الذي عانى التشرد لسنوات طويلة، فالمنطق يفترض أن يقبل بشراهة على لحم الخنزير لا أن يمتنع عنه لدرجة أنه حين يصادف قطعة من لحم الخنزير على طبق بمطعم، كان يغادر مسرعا واضعا يده على فمه لاعتراض سيل القيء الذي يستعد للاندفاع من جوفه.
لكن من أين تسللت تلك الفوبيا إلى هتلر، وهو الطفل الذي كان محروما من اللحم، وانتهى به الأمر، وهو في السادسة عشر من عمره، جائعا فقيرا في بيت للمشردين يأكل من بقايا المطاعم ويتسول قوت يومه؟
الطفولة وريف النمسا
عاش هتلر طفولة مضطربة، ولذلك يعتقد أن فوبيا الخنازير كانت واحدة من انعكاس الحوادث المؤلمة التي شهدها أثناء تربيته في الريف النمساوي.
ولد هتلر في 20 أبريل/نيسان 1889 بقرية برونو بالإمبراطورية النمساوية المجرية، وخلال طفولته، كان والده عنيفا في معاملته له ولأمه، حيث كان يتعرض للضرب قبل أن يحبسه مع قطيع من الخنازير لساعات طويلة.
في البداية لم يكن هتلر يستوعب سر كل ذلك العنف الذي يعامله به والده، لكن مع الوقت أدرك أن شيئا ما بداخله تشكل ليصنع جدارا من الكراهية وحاجزا من مشاعر الضعف وقلة الحيلة.
في أوقات الصفاء، كان يراقب والده وهو يطارد خنزيرا من القطيع ليحوله إلى قطع من اللحم، وكان الطفل يرى في ما يتعرض له الحيوان وضعا شبيها بما يعيشه مع فارق بسيط يكمن في أنه لم يتحول بعد لطبق من اللحم أو النقانق.
كان ينظر للأمور بعين طفل صغير لم يمنحه عنف والده فرصة تبين ملامح الأشياء ومفاهيمها بسلام، وبعدها بسنوات تحدث هتلر إلى مدير أعماله يقول: «عقدت – حينئذ – العزم على ألا أبكي مرة أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط».
وأضاف: «بعد ذلك بأيام سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار، فلقد وقفت والدتي مرتعبة تحتمي وراء الباب، أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال على مؤخرتي».
ولأن معالم شخصية الإنسان تتشكل في معظمها زمن طفولته -كما يقول المختصون-، فقد راكم هتلر شحنة من المشاعر السلبية التي لم تغب عنها مشاهد الضرب والسحل وضعف والدته وقلة حيلتها بمواجهة والده.
وفي خضم كل ذلك، لم تغب أيضا مشاهد الخنازير وهي تنتشر بهدوء في الريف النمساوي قبل أن ينقض عليها والده إرضاء لنهمه، فيشاهد الطفل سيول الدماء المتدفقة من الحيوان، فيهرب بعيدا ويحتمي بأول شجرة تعترضه قبل أن ينهار بالبكاء.
وعندما كبر، أدرك هتلر بأنه مصاب بفوبيا الخنازير، وهي حالة تعرف باسم “سوينوفوبيا”، أي أن شحنة الخوف التي كانت تعتريه حين يرى مصير الحيوان بين يدي والده، تحولت إلى خوف طغى على جزء من عقله فخلق نوعا من القفل النفسي تجاه أمر معين.
وطوال سنوات عمره اللاحقة، بدا أن لهذه الفوبيا تأثير واضح على سلوكه.
كان يتجنب تناول لحم الخنزير ويمتنع عن الحضور في الأماكن التي توجد فيها الخنازير، ولذلك كان يُطلب من الموظفين في الحكومة النازية إخفاء الصور والرسومات التي تظهر فيها الخنازير.
سمات نفسية
مع أن المعلومات المذكورة تظل دائما غير مؤكدة بشكل كامل، حيث تتناقلها الروايات التاريخية بحذر مع الاحتفاظ بهامش شكوك تفرضه دائرة الشائعات والنظريات المنتشرة حول شخصية هتلر وخلفيته النفسية.
وبالإضافة إلى فوبيا هتلر من الخنازير، كان له العديد من السمات النفسية الغريبة والمثيرة للاهتمام، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أنه كان يعاني من مجموعة متنوعة من الانفصامات والاضطرابات النفسية، ومن المحتمل أن يكون معتمدا على المخدرات لتخفيف الضغط والتوتر.
كما كان لهتلر سلوكيات غريبة أخرى، مثل اعتقاده بالعنصرية القومية الشديدة وسعيه لتنفيذ أهدافه السياسية المتطرفة.
تاريخيًا، لم يتم التأكد بشكل كامل من العديد من القصص حول هتلر وسلوكه، لكن العديد من هذه السمات والتصرفات تظهر مدى تعقيد وغموض شخصيته وطبيعته النفسية.
المصدر – العين الإخبارية