صور تودّع قبطانها الأخير... رحيل رفيق البحر و'آخر الفينيقيين'
مواضيع مصورة
2021-12-23
.jpg)
رحيل "آخر الفينيقيين"
يصف الباحث منير بدوي في كتابه المرتقب "شخصيات شعبية وتراثية مؤثرة في مدينة صور 1920-2020" الذي يأتي ضمن مجموعة كتب تحت عنوان "صور ذاكرة وتراث" رحيل القبطان شمعوني الشغوف بالبحر بمثابة "رحيل لآخر الفينيقيين" الذين يُعتبرون "شعب البحر". فالرجل الذي بدأ مسيرته المهنية منذ عمر الـ7 سنوات اكتسب الخبرة التي سمحت له بإداراة وقيادة سفينة على الخط البحري من طرابلس مروراً بصور وغزة وصولاً الى دمياط المصرية في فصل الصيف، أمّا في الشتاء فيعمل في مهنة صيد السمك.
الحصول على وسام الاستحقاق
من أبرز المحطات والإنجازات التي كان "الأب الروحي للبحارة الصوريين" يتفاخر بها، حصوله على وسام الاستحقاق من الرئيس كميل شمعون عام 1953 حيث تمكن من إنقاذ 8 بحّارة مصريين بعدما فاجأتهم عاصفة بحرية (نوّ) وقذفت سفينتهم المحمّلة بنحو 200 طن من الملح إلى شاطئ صور الشمالي.
يشرح بدوي أسباب تراجع واندثار مهنة قيادة السفن في بلدة ساحلية يعتاش جزء كبير من أهلها من خيرات البحر، فيرى أن "ذلك نتيجة تراجع الاعتماد على السفن الشراعية منذ عام 1980 إذ كانوا يحملون المنتجات من صور الى دمياط المصرية والعكس". وأضاف "أما اليوم فيقتصر شراؤها فقط كنوع من الحفاظ على التراث وشكلها المميّز".
قصص وحكايات شمعوني مع البحر لا تنتهي، وأكثر ما يلفتك هو التناقض ما بين رغبته وإصراره على الاستمرار في هذه المهنة الصعبة ورفضه المطلق لتوريثها لأبنائه من بعده نظراً لصعوبتها، إذ إنه كان يعيش في البحر لأيام ولأشهر، ما يجعل منها مهنة شاقة جداً.
حياة مليئة بالترحال
النقلة النوعية في حياة شمعوني كانت بين عامي 1976 و1978 حيث انتقل الى اليونان وعمل نائباً لقبطان السفينة، وشهدت السفن البحرية اليونانية في تلك المرحلة نقلة نوعية وتطوّراً ملحوظاً، وهذا ما سمح له بالتمرّس أكثر في المهنة. ومنذ ذلك الحين لغاية عام 1982 عمل في السفن الشراعية وإدارتها على خط قبرص ‒ صور حيث كانت لديه رحلة يومية، وفي السنوات الأخيرة من حياته عمل خبيراً يقوم بإرساء السفن الكبيرة في ميناء صور. ورغم توقفه عن العمل عام 2015، لم يتأخر يوماً عن زيارة ميناء المدينة وتفقد أحوال الصيّادين.
وبفعل هذه السيرة الذاتية المليئة بالترحال والتعرف إلى أماكن مختلفة، اكتسب شمعوني القدرة على التحدّث ببعض اللغات مثل اليونانية والبرتغالية. وكمعظم البحارة الصوريين كان مجرد النظر الى البحر والسماء يسمح له بمعرفة حالة الطقس في الأيام التالية، حتى إنه ما زال يحتفظ في منزله بميزان الطقس الذي كان يُستخدم في تلك السفن، وفقاً لما قال حفيده علي شمعوني لـ"النهار".