أدوية الخارج المهرّبة ، سموم قاتلة إلا لتجّارها !
اقتصاد واعمال
2022-12-28

هذه الأدوية التي تعتبر خلاصاً للمريض تحوّلت بفعل الأزمة الاقتصادية، وجشع التجار والمافيات، إلى سمّ يفتك بجسم المريض، لا يجد من يُكافحه، سواء من داخل المؤسّسات المعنيّة أم من خارجها، بل "يتواطأ" المعنيّ مع المافياوي لإفلات الأخير من المسؤولية. وبدل أن يُباشر المعنيّون مهمّاتهم بكل دأب ومهنيّة، نراهم يُعلنون للعامّة من الناس مواعيد دوريات التفتيش، لينجو كلُّ فاسدٍ من حَملِ المسؤولية. فالتفتيش الصيدلي يُعلن موعد إطلاق حملته بحثاً عن أدوية مزوّرة قبل يوم واحد من موعدها، وكأنه إنذار مسبق لإخفاء المجرم "جريمته"، بعد أن استفحلت أزمة الدواء المهرّب، وبينما كانت قيمة سوق الدواء تبلغ حوالى مليار و200 مليون دولار سنوياً مع دعم سنوي بقيمة مليارين دولار في حين بلغت خلال ثلاث سنوات قيمة تهريب الأدوية بما يفوق 4 مليارات دولار.
يؤكّد الاختصاصي في أمراض الدم والأورام البروفيسور فادي نصر لـ"النهار" أن "نحو 25-50 في المئة من الأدوية المناعيّة لمعالجة السرطان مزوّرة وغير صحيحة، وهي تُعطى بالعِرق، ممّا يسمح لنا بفحصها قبل إعطائها للمريض في المستشفى. ونتيجة أزمة الأدوية، وما ترتب عليها من مشكلات وبدائل، تكون أحياناً غير صحيّة، ومزوّرة أو منتهية الصلاحية".
ويُضيف أن "مصدر هذه الأدوية المزوّرة في أغلب الأحيان تركيا وسوريا. وقد كشفت لنا بعض الفحوص والمراجعات الطبية والمخبرية أن بعض هذه الأدوية كانت غير مطابقة للدواء الرئيسيّ، وهي مزورة أو ملعوب بها، أو كناية عن ماء وملح، ممّا دفعنا إلى إجراء فحوص ومراجعات للشركة الأم قبل إعطائها للمريض في المستشفى.
لكن المشكلة الكبرى تكمن في أدوية الحبوب التي يشتريها المريض من دون فحصها أو معرفة درجة الأمان والسلامة. فنحن لدينا القدرة على متابعة ما يدخل إلى المستشفى ولكن "الشنط" التي تُسلّم باليد إلى المريض في منزله لا نعرف عنها شيئاً".
في المقابل، يؤكّد البروفيسور نصر أن "الأدوية المزوّرة تحمل آثاراً سلبية وجانبيّة على صحة المريض. أما في حال لم يتناول المريضُ الدواءَ فإن المرض يتطوّر بطريقة سريعة وخطرة. لذلك يكمن الحلّ في تأمين دواء فعّال وبطريقة شرعيّة تُجنِّب المريض المخاطرة بصحته"، لافتاً إلى أن "أكثر أنواع الأدوية التي تكون مزوّرة هي الأدوية المناعيّة التي تعتبر باهظة الثمن وأساسية في بروتوكولات العلاج".
اليوم نواجه أكثر من أزمة، أوّلها أزمة الثقة بالدولة والتجار الذين يتاجرون بأرواح الناس، ولا يوفّرون الأدوية المزوّرة والمنتهية الصلاحية، في الوقت الذي لا نجد أحداً يتحرّك لإيقاف تاجر أو محاسبة أحد السماسرة بسبب ما يفعلونه بحياة المرضى. لذلك يسعى المريض اليائس إلى اللجوء لأدوية السوق المهرّبة، لأنه فقد الأمل بكلّ ما يخص السلطة اليوم.
وطالما أن ملفات الفساد ما تزال نائمة في أدراج القضاة، ومنها ملف منى بعلبكي، فستبقى أرواح الناس معلّقة بحبال الهواء إلى أجل غير مسمّى!