نهر أبو علي في طرابلس من نهر تراثي الى مكبّ للنفايات.. مسؤوليّة من ؟
مقالات وتحقيقات
2023-01-21

أن يكون جبل النفايات في طرابلس مصدر تلوث بيئي وعصارته لا تزال تتسرب الى البحر، فهو أمر يكاد ان يستعصي على الحل الجذري، لكن أن يتحول مجرى نهر ابو علي الى مكب للنفايات فهو الامر الذي يثير استنكار ابناء طرابلس، ويدفع بهم الى الاستهجان جراء اهمال نهر تاريخي أثري ارتبط اسمه بتاريخ مدينة يعود الى الحقبة الكنعانية، حيث عاصر النهر كل العهود والحقبات التي توالت على المدينة القائمة فوق ركام من العصور والحقبات التاريخية ولا تزال حجارة قلعتها شاهدة على تلك العصور وعلى شعوب استقرت واسست وساهمت في انشاء اهم مدينة على البحر المتوسط.
حين يصل زائر طرابلس الى مستديرة نهر ابو علي لا بد له أن يلاحظ بأسى ان مجرى النهر من جوار المولوية والى مصبه في البحر بات مكبا للنفايات، والانكى انه تحول الى مصب لمياه الصرف الصحي، وتفوح منه الروائح الكريهة، وتحوم فوقه الطيور الجوارح التي تقتات من الاوساخ والنفايات.
مخضرمون طرابلسيون تداولوا باسف لما آل اليه هذا النهر الذي عرف عزا لم ينله أي نهر في لبنان، الى أن حصل طوفان في العام 1955 فجرف البشر والحجر، مئات الارواح زهقت غرقا فيه، وابنية ومحلات اثرية مع جسور مملوكية تهدمت، ومياه النهر اغرقت معظم احياء طرابلس فكانت النكبة الكبرى لمئات العائلات التي خسرت افرادا منها وخسرت منازلها وباتوا بالعراء فنقلوا الى منطقة ايواء مؤقتة عرفت فيما بعد بمحلة المنكوبين.
يشير طرابلسيون الى ان الانهر التي تجتاز المدن في دول العالم تعمل الحكومات على الاستفادة منها بتحويلها الى مواقع سياحية، إلا في لبنان وخاصة في مدينة طرابلس فالنهر الاثري تحول الى مكب للنفايات، وكان يتم تعزيله سنويا، غير انه ومنذ اكثر من سنتين أهمل حتى وصل الوضع الى ما هو عليه من مرتع للاوبئة والجراثيم والمياه الملوثة التي تصب في البحر الغني بالثروة السمكية...
وحسب المخضرمين ان نهر ابو علي قبل طوفانه العام 1955 كانت ضفتاه منتزها لابناء طرابلس ومحيطها، وعلى ضفتيه مقاه ومحلات ومنازل اثرية كان المرء يستطيع غسل يديه بمياه النهر من نافذة منزله، وكان الاولاد يمارسون فيه السباحة، وعلى ضفته الغربية تقع قلعة سان جيل المعروفة بقلعة طرابلس وتحتها المولوية والمطحنة الاثرية، ومنه كانت ترتوي بساتين التوت والليمون والبرتقال التي تعبق في المدينة التي عرفت في ما بعد بالفيحاء نظرا لروائح زهر الليمون التي تفوح في ارجاء المدينة...
بعد الطوفان، جرت توسعة المجرى وانشئت جدران الباطون وغابت المعالم الاثرية المملوكية التي جرفها الطوفان، واهمل النهر، رغم محاولة مشروع الارث الثقافي تجميل ضفتي النهر ببناء سقف له تحول الى مرأب سيارات، وبدلا من يكون مشروعا تراثيا سياحيا تحول الى مشروع شوه النهر والمدينة وفاقم من ازمات الاسواق الداخلية والمحيطة بضفتي النهر، بل ان المشروع في الاساس لم يستكمل ولم ينجز على غرار مشروع الارث الثقافي في مدينة جبيل حيث شكل هناك انقلابا ونقلة نوعية جذبت السياح الى جبيل، بينما شوه المشروع طرابلس ومحيطها وفاقم الوضع بتحول المجرى الى مكب نفايات...
ما يثير الاستغراب وفق طرابلسيين ان نواب طرابلس وقياداتها غائبة عن ازمة نهر ابو علي، وامامهم اهم موقع سياحي الى جانب القلعة والاحياء المملوكية، وبامكانه ان يشكل مصدر تمويل رئيسي للبلدية ولخزانة الدولة لو توافرت لهذا الموقع الرعاية...
لكن قبل كل ذلك، من هو الذي يتحمل مسؤولية تتظيف النهر وتعزيله، ثم وضع خريطة سياحية واستكمال مشروع الارث الثقافي؟؟...
اسئلة وتساؤلات تحتاج الى أجوبة...