حلا 'خلعت' ومنى 'لبست' .. والاثنتين لم تسلم من الانتقادات !
مشاهير وفن
2023-03-01

أزمة حلا
لم تشغل حلا الناس بإبداعها، فهي ليست أكثر من وجه لطيف على الشاشة يقع البطل في غرامها. لكنها شغلت السوشيال ميديا بأخبار زيجاتها، واعتزالها وعودتها، وارتداء حجابها ومن ثمّ خلعه مرات عدة.
راهنت على آخر أزواجها المنتج والداعية معز مسعود الذي تزوج أكثر من فنانة، وارتدت الحجاب ثم اختفت. استاء والدها من "تخبطها" ولمّح إلى أنها نزوة وستعود بعدها. ولم يمرّ عامان على زواجها، حتى حذفت حلا صورها مع الداعية، ونشرت صورة بلا حجاب، وقالت إنها سوف تتكلم قريبًا، وعلقت على صورتها قائلة "ما فيش أحلى من البساطة".
انتقدها المنتمون إلى التيار المحافظ بزعم الاستخفاف بشرع الله. وعابوا عليها عدم الثبات على الإيمان، مثلما ظهر قديمًا أحمد الفيشاوي واستعرض آراءه الدينية وتمنى الحجاب لسائر الفتيات ثم انحرف بحياته إلى النقيض. وهكذا بعد عمل حلا الدعوي في كندا، وإرشاد الفتيات "للإيمان"، ها هي تعود "مليون خطوة للوراء".
تهكّم بعضهم بأنها مثل أي فتاة ترغب في الزواج فترتدي الحجاب، وحين يقع الطلاق تخلعه وتنتظر "العريس القادم". كأنها توظف الزي الذي يحظى باحترام وقداسة عند العوام، لاصطياد الأزواج بوصفها "سيدة على خُلق"، وعندما تخلعه كأنها تخبر من يرغب في الارتباط بها أنها "سيدة جميلة".
فيما أبدى بعضهم الآخر تعاطفًا حذرًا بأنها "غير ناضجة" في اختيار أزواجها، ومثل أي مراهقة تتأثر بعمرو خالد وتحب عمرو دياب، وتقرر أن تختم تلاوة القرآن فتجد نفسها ختمت روايات عبير. تعاني "انعدام الشخصية" رغم ولادتها في أسرة مثقفة وميسورة الحال، فليست مشكلتها المال ولا الشهرة، بل ذوبان شخصيتها في من ترتبط به، فلو طلب منها النقاب تنتقب ولو أمرها بالاعتزال تمتثل.
من يتبنون موقفًا ليبراليًا مناقضًا للتيار المحافظ، وجدوا في تصرفها دليلًا إلى تهافت فكرة الحجاب، وعبروا عن فرحهم بقرار خلعه. أي وظفوا القصة في معركتهم ضد التيار الآخر، بدلًا من أن يحترموا قرارها الشخصي.
إن رحلة حلا الطويلة مع الحجاب خلعًا وارتداءً، تعبر عن هشاشتها وعجزها عن الالتزام بقناعة ما، مثلما تعدد أزواجها يدل إلى أنها لا تحسن اختيار ما يناسبها.
ولسوء حظها ارتبطت أزماتها الشخصية والعاطفية، بقصة "الحجاب" ومدى شرعيته. فكل تصرف فردي يخصها تحول إلى جمر يشعل حريقًا بين مناصري الحجاب ومعارضيه.
ولم يسلم آخر أزواجها معز مسعود من الغمز واللمز، فهو نموذج للدعاة الجدد الأثرياء المترفين، ينتهي من فنانة ليتزوج غيرها، بينما ينصح الفقراء بالصبر ويعدهم بالجنة!
هكذا تخضع تصرفات الشخصيات العامة المشهورة دائمًا لمجهر الملايين وتتابين حولها الآراء، ما بين أحكام أخلاقية قاسية، وعبارات متعاطفة، ووصاية أخلاقية، ودفاع تمجيدي.
فخ منى
أما منى زكي فكانت بطلة "ترندين" خلال عام يتعلقان بقطعتي ملابس: قطعة سفلى حين أوهمت المشاهدين بخلع "سروال داخلي" في فيلم "أصحاب ولا أعز"، ثم قطعة عليا حين ظهر - قبل أيام - بوستر مسلسلها الجديد "تحت الوصاية" في مكياج الشخصية التي تؤديها بحواجب عريضة و"حجاب" على وجه أتعبته السنون.
من هاجموها اعتبروا هيئتها تسيء إلى الحجاب، وتربطه بالقبح، وفي لا وعيهم واقعة "السروال الداخلي" باعتبارها في الفيلم منفلتة السلوك، فلا يحق لها أن ترتدي الحجاب في مسلسل.
يشبه الأمر الاعتراض على ممثل اشتهر بدور سكير، لو ظهر في دور فقيه أو صحابي في مسلسل ديني. فثمة تماه في الوعي بين أدوار الممثل وتنميطه باختراع صورة أخلاقية معينة له. مثلًا فاتن حمامة مثال للاحترام والشرف والأخلاق، ونادرًا ما قدمت أدوارًا بها قبلات وعلاقات حميمة عارية، ولو كسر الممثل صورته النمطية يصبح محل استهجان.
فدائمًا هناك صورة أخلاقية يخترعها الجمهور ويريد من الممثل الالتزام بها، وكانت منى نموذجًا لذلك في مجمل أدوارها. فتاة مصرية طيبة محتشمة. لكن مع نضجها فنيًا ورغبتها في تنويع خياراتها، تهشمت تلك "الصورة الأخلاقية".
في فيلمها "سهر الليالي" 2003، لعبت دور شابة محجبة متزوجة تتعرض للخيانة، فكان هناك تعاطف معها ورضا ضمني لحرصها على "الحجاب". وفي مسلسل "لعبة نيوتن" 2021، ظهرت بالحجاب، مع إثارة قضايا فقهية خلافية مثل الطلاق الشفهي، وتمردها على قبضة الثري "المتدين"، ثم جاءت واقعة "السروال الداخلي". كأن منى تصر على نسف "صورتها النمطية الأخلاقية". لم تعد الفتاة المصرية الطيبة المحتشمة وبات ظهورها بالحجاب مثيرًا للشكوك والارتياب.
ولا يُستبعد أن يكون "الترند" مُتعمدًا من باب الدعاية للمسلسل. فأي دعاية سلبية أو إيجابية، تضاعف الفضول للفرجة.
ما وراء التّرند
بغض النظر عن خفة الترندات وتفاهتها، فإنها تُثير نقاشًا حول قضايا جوهرية ومزمنة لم تُحسم بعد.
ففي قصة حلا، ما زالت قيمة "الحرية الشخصية" مهددة، وكل إنسان - ليس المشاهير فقط – "هو تحت وصاية" مجتمع يراقب تصرفاته ويعد عليه أنفاسه، ويحاكمه إذا لزم الأمر.
وفي قصة منى زكي، ما زال الوعي بالتمثيل غير ناضج، فهو "إيهام" لا يعبر عن وقائع ولا تاريخ ولا حقائق، ولا يضيف إلى الواقع شخصيات من لحم ودم، بل مجرد خيالات لشخصيات لا وجود لها.
وعلى الممثل أن يثبت براعته في تقمص ما لا يحصى من نماذج بشرية، معظمها بها جوانب مظلمة ونقص وضعف، ولا تصلح "مثلًا أعلى"، فالمحامي الفاسد لا يعني أن المحاماة مهنة فاسدة، وارتداء سيدة منحرفة للحجاب، لا يعني الإساءة للزي الديني. والزي ليس مقدسًا في ذاته ولا يمنح من ترتديه عصمة أخلاقية.
هذه البديهيات ما زالت مثيرة للجدل، وثمة تيارات تحاول فرض هيمنتها ورؤيتها على تيارات مناوئة لها.
رمزيّة الزّي
سار الإنسان عاريًا ومشاعيًا مثل غيره من الثدييات، فلم يكن العري مرتبطًا بالرذيلة ولا شعور بالذنب، ومع بزوغ مجتمعات قائمة على القرابة والانتماء الجغرافي، اخترعت الملابس وباتت دالة إلى مدى الثراء (الطبقة الاجتماعية)، وحجب "المشاعية" البدائية، فالزوجة لا بد أن تُحجب عن أطماع أو شهوات الغريب الأجنبي. ويكون كل ما تنتجه من أولاد ملكًا لزوجها لمساعدته في الزرع والرعي.
كانت المرأة الفرعونية لا ترتدي من الملابس إلا القليل، وتبرع في الكحل وإبراز زينتها تعبيرًا عن الجمال، ولم يتعارض ذلك مع الحب والإخلاص لشريكها، كما تدل الأيقونات والتماثيل.
بدا الحل الفرعوني متزنًا ما بين العري، والغاية من الاحتشام، ولكن مع تطور الحضارات وسطوة أفكار مستلهمة من الأديان الإبراهيمية على وجه الخصوص، وليس الأديان الهندية مثلًا، زادت تعقيدات اللبس والحجب.
إن الحجب سلوك اجتماعي بالأساس، والزي تعبير عنه، مثل خاتم الزواج في يد المرأة، فهو ليس زينة فحسب بل إعلان مباشر أنها محجوبة عن الآخر.
مع ذلك يظهر العري إلى الآن في بعض الطقوس الدينية، مثل الحج والعمرة لدى المسلمين وعدم لبس المخيط، ونزول النهر عرايا لدى الهنود. مثلما تظهر المشاعية في علاقات زواج مفتوحة لدى قبائل أفريقية وهندية، فلا نفهم كيف يتزوج رجل أفريقي في أوغندا مثلًا من عشرين امرأة وينجب مئات الأبناء والأحفاد! رغم أن امتلاك هذا العدد من الزوجات (الإماء) يتسق مع الفكرة الأصلية التي كرست لها المرأة وهي إنجاب أولاد لمساعدة الرجل وتوسيع أرزاقه.
ثم ظهر من يربط الحجاب بالتخلف والرجعية واستعباد المرأة، مع منع تعليم الإناث في العصر الحديث، وتزويجهن بمجرد البلوغ، ما دفع رجال دين مثل رفاعة رافع الطهطاوي للدعوة إلى الاقتداء بالفرنسيين وتشجيع البنات على التعليم، وبلغت ذروة التسامح مع الزي ذروتها في خمسينات القرن الماضي وستيناته، فرأينا شيوخًا مثل مصطفى إسماعيل والباقوري والطنيخي لا يفرضون الحجاب على بناتهن ويستقبلون ويصافحون الطالبات غير المحجبات.
ولكن مع المدّ الديني عقب النكسة، تعاظمت الدعوات للحجاب، وصبغت عليه "قداسة زائفة" رغم أن الأساس السلوك وليس اللبس، واختلفت الجماعات الراديكالية في تأويله وكيفيته، ما بين "خمار" ينسدل على الصدر والظهر، أو "نقاب" أسود يغمر الجسد كله، أو حجاب عصري أنيق يغطي الشعر والرقبة فقط.
وتعرضت شابات مسيحيات لإلقاء ماء النار عليهن للتخويف من عدم ارتداء الحجاب، كما نظمت حملات ممنهجة لدفع الممثلات للاعتزال وارتداء الحجاب.
ولا يمكن إغفال أن هذه الحملات كرست لتبعية المرأة للرجل، وحجبها وعزلها - بطريقة ما - عن المجال العام، وتكريس دورها الأمومي في رعاية الزوج والأبناء.
هل معنى ذلك أن السفور منح المرأة "حريتها"؟ ألم تنتقل للاستغلال في بيتها، وراء الحجاب، للاستغلال في المجال العام والتعامل معها بوصفها سلعة جنسية وتجارية؟
إن تنوع الأحجبة لا يدل إلى اختلاف الفقهاء فقطـ، بل إلى الصراعات الطبقية والاقتصادية، فالطبقة التي تنتمي إليها حلا شيحة ومنى زكي، والتي تضم أثرياء وطبقة الموظفين العليا من قضاة وضباط، اختارت "حجاب الرأس" فقط، ووفق الموضة العصرية. بينما فضلت الطبقات الفقيرة العاجزة عن تكاليف الكوافير ومراكز التجميل "النقاب الأسود".
من ثم يكشف صراع الحجاب (الزي المادي) عن حجاب مضاد معنوي، مرتبط بالسلوك والإيمان والحريات الفردية. فهو صراع رمزي ينطوي على إزاحة مأساوية. فالانشغال بالزي المعبر عن "إيمان" أصبح أكثر قداسة وأهمية من الإيمان نفسه. مثلما الانشغال بالتحرر من ذلك الزي، بات أكثر أهمية من تكريس قيمة الحرية نفسها.
كأن المرأة في صراع مزدوج على إيمانها وحريتها، من دون أن تصل لا إلى جوهر الإيمان ولا الحرية... بحجابها، وبدونه. ما زالت دمية يتم التلاعب بها، واستغلالها، وحجبها. في ثقافة بارعة، ومراوغة جدًا، في التعمية، وحجب القيم وكل القضايا التي تتطلب مواجهة شجاعة، انشغالًا بإزاحات ثانوية وهامشية لاستهلاك الوقت، وهربًا من أي استحقاق. وفق هذا المنطق يحاكم البعض مسلسلًا قبل عرضه، ويحاكم البعض الآخر ممثلة معتزلة على ما تلبسه وتخلعه.