خوف الأولاد من موروثات الأهل… أطلبوا الدعم النفسي!
مقالات وتحقيقات
2023-06-26

يبذل الأهل كل جهودهم في سبيل إسعاد أبنائهم وحمايتهم من كل ما يمكن أن يشكل خطرًا عليهم، كما ويسعون دائمًا لتأمين الفرص لهم وجعلهم الأنجح في مجتمعهم. يترافق مشوار الأهل في تربية الأبناء بمخاوف وقلق متعدد الأسباب والأشكال والأوجه، قد يورثونه للأبناء من دون إدراك منهم، فينعكس سلبًا على جوانب حياة الأطفال الحالية والمستقبلية.
ما هو خوف الأهل؟ كيف يختبر الأطفال الخوف؟ متى يكون خوف الأطفال طبيعيًا؟ مما يخاف الأطفال؟ كيف نخفف من وطأة الخوف على الطفل؟ هل يرث الأبناء خوف الأهل؟ كيف يؤثر ذلك على مستقبل الأبناء؟ وكيف يستطيع الآباء والأمهات حماية أبنائهم من مخاوف لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
من الطبيعي أن يخاف الأهل على صحة أبنائهم وسلامتهم، أما غير الطبيعي فهو اكتفاؤهم بهذه المشاعر وعدم الانتقال إلى مرحلة إيجاد الحلول والسلوكيات التي تحمي الأبناء، والأهم من ذلك هو الوصول إلى القدرة على الفصل بين الخوف المنطقي والمحق، والقلق البعيد عن الواقع.
لا يقتصر الخوف فقط على الراشدين، بل يشعر به الأطفال أيضًا، ودور البالغين هنا أساسي وهو التخفيف من مستوى هذا الإحساس، إشعار الصغار بالأمان والاستقرار، تفسير أسباب الخوف غير المنطقي ومناقشتها معهم كي يتغلبوا عليها.
يخاف الأطفال غالبا من الانفصال عن الأهل، من الظلمة، من الحيوانات، من الارتفاع، من الخطف ومن طلاق الأهل، لكن هناك لائحة لا تنتهي مما قد يسبب خوفاً لدى الأطفال بحسب البيئة والظروف التي يعيشونها، إلا أن المهم في الأمر هو أن يتنبّه الأهل لذلك، ويكسروا حواجز الخوف أمام الأطفال بالمنطق وبالمواجهة، وعدم التنمّر عليهم وإجبارهم على تخطي الخوف.
يبقى خوف الأطفال طبيعيًا طالما يستمرون بعيش الحياة اليومية بتوازن، أما إذا أثر ذلك على نوعية النوم والغذاء والقدرة على الدرس والاستيعاب، وعيش الحياة الاجتماعية بشكل عفوي، فمن الضروري عدم التأجيل وطلب المساعدة من المختصين.
هل يؤثر خوف الأهل على الأطفال؟
ببساطة، نعم يؤثر! فمن المألوف أن يحمل الأطفال مخاوف الأهل والراشدين من حولهم، حتى في حال عدم الوعي لذلك. فالطفل مراقب جيد جدًا، ويكتسب من خلال كلام وسلوكيات المحيطين به. فعندما يعبّر الأهل عن الخوف من أمر ما بالكلام أو بالتصرف، سيفهم الطفل ذلك وقد يتبنّى الشعور بالخوف نفسه وأحيانا رد الفعل والتصرف ذاته.
من المهم بمكان أنْ نعي أنَّ الخوف والقلق لدى الأطفال قد ينتجان عن تجارب حياتية وعن أسباب بيولوجية، فمن لديه قريب من الدرجة الأولى يعاني من اضطراب القلق، معرّض أكثر من غيره للتعرّض للأمر نفسه. فعندما يعاني أحد الأبوين من الفوبيا، يرتفع احتمال معاناة الأبناء من ذلك. من هنا، فإن علاج القلق لدى أحد الأبوين يخفض مستوى ذلك لدى الأبناء.
إلى أي مدى أثرت الأزمات والحروب المتتالية في لبنان على مستوى الخوف عند الأهل والأبناء؟
إن توالي الأزمات في لبنان وتراكمات الحروب والقلق الناجم عنها، بما فيها الخوف من الغد، التمسك بالأرض، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية، الموت الذي لم يوفر بيتا أو عائلة، ولن ننسى ذكر من أصيبوا جسديًا خلال النزاعات، من خسر ساقاً أو نظرًا، من أفنى مستقبله حارسًا للأرض، فخسر الشهادات الجامعية والوظائف والمراكز الاجتماعية، كل ذلك ساهم بإنتاج أجيال معجونة بالخوف والقلق على جميع المستويات، لمن عاش الظروف الصعبة، ولمن ورثها عنه وتبنّاها بشكل إرادي أو لاإرادي. فمن تربّى على أيدي أب وأم عاشا معاناة الحرب وخطرها بشكل مباشر، معرّض بنسبة أكبر للإصابة بالقلق والخوف ممن نشأ في جو من السلام والأمان والاستقرار.
لن يعاني هؤلاء الأطفال القلق والخوف فقط، بل إن صحتهم النفسية والإنتاجية والعلائقية ستتأثر سلبًا، فيجدون صعوبة في الدراسة والعمل والعلاقات الاجتماعية والعائلية، كيف لا؟ وهم توارثوا الخوف والقلق والإحباط، وعدم الاستقرار، بالإضافة إلى أزمة الثقة بالنفس وبالآخر وبالغد، وما لكل ذلك من علاقة وثيقة بالاكتئاب.
كيف نتجنّب توريث خوفنا لأبنائنا وبناتنا؟
نستطيع تخفيف مستوى القلق والخوف لدى الأطفال عبر علاج ذلك عند المصدر: الأهل.
اطلبوا الدعم النفسي لعلاج الخوف والقلق كأب أو كأم.
اطلبوا الدعم لطفلكم في أسرع وقت ممكن عندما تلاحظون أنه يعاني من الخوف والقلق.
تستطيعون كأهل اتخاذ العديد من الخطوات لحماية أبنائكم من وراثة القلق والخوف والفوبيا من خلال:
مناقشة الخوف مع الأبناء والتي تُعتبر من الوسائل الفضلى لحمايتهم، فالمطلوب أن يفهم الكبار مخاوفهم، وإخبار الأطفال بأنهم، كأهل يعانون من الخوف وبأنهم يجدون الطريقة المناسبة للتغلّب عليه. ولا تترددوا بإخبار الأطفال بأن الخوف يكون أحياناً غير منطقي، وهو لا يعني دائما أن هناك خطرًا يداهمهم. فعندما يعاني أحد الأبوين خوفا من الطائرة، عليه أن يفسر لأولاده أن الموضوع بذاته، أي الطيران لا يشكل خطرًا، وعندما يسافر مع الأبناء لا يعني ذلك أنه يضعهم في خطر.
التزام الهدوء عند إصابتكم بالخوف أو القلق لأن الأطفال يستطيعون التقاط هذا الشعور وتبنّيه. إذ يلجأ بعض الأهل لطلب السيطرة على الخوف من الأطفال، وهذا أمر خاطئ، إذ عليهم طلب المساعدة من المختصين.
تعلّم السيطرة على مخاوفكم واعتماد سبل لمواجهتها وحلها.
يُعتبر الخوف من المشاعر الطبيعية في الحياة، والتي نختبرها في كل مراحلنا العمرية، أما عندما يمنعنا الخوف من العيش بتوازن، أو يمنع أيًا من المقربين من ذلك، فعلينا وبصورة عاجلة اللجوء إلى الأشخاص المختصين لمعالجة الأمر. أما عندما يعاني الأطفال من الخوف الشديد، فنحن أمام صفارة إنذار وحالة طوارئ، لمساعدتهم بشكل سريع ومباشر وعدم التأجيل كي لا تتفاقم الحالة النفسية لديهم، وذلك باعتماد الطرق المناسبة وعدم الاستخفاف بالأمر.
ساسيليا دومط ـ عالمة نفس إكلينيكية – رئيسة دائرة المحللين والمعالجين النفسيين في مصلحة المهن المجازة في حزب “القوات اللبنانية”