بقلم: خليل المولى
لطالما شكّل تعويض نهاية الخدمة بارقة أمل للموظف بعد سنوات طويلة من العطاء، إذ ينتظر بعد عشرين عاماً أو أكثر من العمل المضني أن ينال حقه الطبيعي والمكتسب، لا منّةً من أحد، بل تقديراً لما قدّمه من جهد والتزام. لكن ما يجري اليوم، من تسريع لإقرار قانون جديد يطال صندوق الضمان الاجتماعي، ينذر بمحاولة مريبة للسطو على هذا الحق، أو الالتفاف عليه من خلال نصوص قانونية مبهمة ومصمّمة بعناية لحماية أصحاب الرساميل، لا أصحاب الحقوق.
الهيئات الاقتصادية تمارس ضغوطاً متزايدة لإقرار هذا القانون، ليس انطلاقاً من الحرص على الصالح العام كما تدّعي، بل هرباً من دفع ما تراكم عليها من التزامات تجاه الصندوق، وهي التزامات ضخمة كان يجب أن تُسدد منذ سنوات. أما الدولة، التي يُفترض أن تكون حامية للعدالة الاجتماعية، فتقف إما موقف المتفرج، أو تمارس دور الشريك الصامت، عبر التسهيل أو غض النظر.
النتيجة واضحة: الموظف هو الضحية الأولى.
تُنتزع حقوقه بالتقسيط، وتُفرّغ مكتسباته من مضمونها، تحت عناوين براقة كـ”الإصلاح الاقتصادي”، بينما الإصلاح الحقيقي يُفترض أن يبدأ من محاسبة الفاسدين والمتهربين، لا من جيوب الناس وعرق جبينهم.
في هذا المشهد، تبدو الدولة وكأنها تسير عكس الاتجاه. ففي حين تحصّن أرباح الشركات الكبرى وتحمي أصحاب النفوذ، لا تتوانى عن تحميل المواطن والموظف تبعات الأزمة، سواء عبر تقليص التقديمات، أو تأجيل الاستحقاقات، أو طرح قوانين تُشرّع الظلم تحت ستار “التحديث”.
إن تعويض نهاية الخدمة ليس تفصيلاً، بل هو حق مُكرّس في القانون، وأي مسّ به هو اعتداء مباشر على الأمن الاجتماعي، وعلى أحد آخر أعمدة الاستقرار الذي تبقّى للطبقة العاملة.
من هنا، فإن الاتحاد العمالي العام مدعو لتحمّل مسؤولياته التاريخية، والتحرّك فوراً وبحزم، رفضاً لأي قانون لا يضمن الحقوق الكاملة للموظف، وبمفعول رجعي، قبل الحديث عن أي إصلاح أو إعادة هيكلة. كما أن نواب الأمة أمام اختبار حقيقي، فإما أن يكونوا ممثلين فعليين للشعب، أو شهود زور في حفلة تصفية ما تبقّى من حقوق الناس.
ولا بد أيضاً من تحميل الشركات والمؤسسات المتخلفة عن الدفع مسؤولياتها الكاملة، وإلزامها بتسديد الفروقات، فالمحاسبة يجب أن تبدأ من هناك، لا من جيب الموظف الذي دفع طيلة عمره اشتراكاته على أمل أن يحظى ببعض الأمان حين يُحال إلى التقاعد.
إن بناء دولة عادلة لا يبدأ من المسّ بحقوق الناس، بل من حمايتها.
فمن يريد إصلاحاً حقيقياً، عليه أن يبدأ من مكان واحد: صون كرامة الإنسان، لا تجريده من حقوقه