منذ بداية معركة «طوفان الأقصى»، بدا واضحاً أن الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة تتحرّى، في بلاغاتها العسكرية، أعلى مستويات الدقة.
وبعيداً عما صدقته المشاهد المصورة الغزيرة التي بثتها كل من «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، يلاحَظ، مثلاً، الفارق في استخدام المفردات بين «استهدفت» و«دمرت»، عندما يتعلق الأمر بمواجهة آليات العدو ودباباته. وإذا كانت غزارة العمليات الميدانية، وإعلان «القسام» الأخير أنها دمرت وحدها ما يزيد عن 1100 دبابة وآلية بشكل جزئي أو كلي، قد أشعرا البعض بأن لغة الأعداد تحمل بعض المبالغات، فإن الصور الأحدث التي نشرها الإعلام العسكري لـ«الكتائب»، يوم الأحد الماضي، تحمل مؤشراً إلى قدر الاستنزاف الذي تعرض له سلاح المدرعات الصهيوني، حيث ظهرت في المقطع المصور ناقلة «M113» التي كانت قد أُخرجت عن الخدمة في عام 2008، وباتت تسمى أوساط جيش الاحتلال بـ«التوابيت الحديدية» بالنظر إلى تاريخها السيئ، صدئة متآكلة، وكأنها استُدعيت إلى الميدان قبل أن يعاد تأهيلها أو حتى طلائها، بعد سنوات طويلة من الهجران.
بدأت الذكريات القاسية لهذه الناقلة في وعي جيش العدو، في 11 و12 أيار 2004، عندما تمكنت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» من تدمير ناقلة جند كانت تتوغل في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة. في تلك العملية، قُتل ستة جنود إسرائيليين، وتمكنت «السرايا» من اختطاف رأس أحد الجنود والاستحواذ عليه لأيام، قبل أن تشترط على جيش الاحتلال لتسليمه انسحاباً تاماً للدبابات من الحي.
في اليوم التالي، تمكنت «السرايا» أيضاً من استهداف الناقلة نفسها بقذيقة «آر بي جي»، في محور فيلادلفيا جنوبي مدينة رفح، ليُقتل في تلك العملية التي نفذها الشهيد أبو خميس الراعي، خمسة جنود إسرائيليين، وتنتشر عقبها الصورة الشهيرة لجنود العدو وهم يجثون على ركبهم، ويبحثون عن أشلاء رفاقهم في رمال القطاع. ثم جاءت حرب لبنان الثانية عام 2006، وفعل سلاح «الكورنيت» ما فعله، ليس بهذه الناقلة فحسب، إنما بدبابات «الميركافا» أيضاً.
وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على القطاع ما بين عامَي 2008 و2009، أطلق جيش العدو برنامجاً شاملاً لتطوير ناقلات الجند، على أن يصار إلى إخراج «M113» عن الخدمة، واستبدالها بمشروع ناقلة الجند «النمرة»، التي لم تكن سوى أنموذج مشابه لـ«الميركافا 4»، ولكن من دون برج ومدفع من العيار الثقيل. وفي 19/7/2014، تعرضت «M113» لخيبة أخرى، إذ دُمرت واحدة منها في المعارك الشرقية لمدينة غزة، وقُتل فيها سبعة جنود، ومن واحدة من مثلها اختُطف الجندي شاؤول آرون. وقد أفضت مراجعات تلك الحرب إلى اتخاذ قرار بمنع إدخال الناقلات المشار إليها إلى ميداني غزة وجنوب لبنان، وحصر الاعتماد في تلكما الجبهتين على ناقلة «النمر»، التي لم ينتَج منها حتى بدء «طوفان الأقصى» سوى 290 آلية، إلى جانب «الميركافا 4» وعددها عند اندلاع الحرب 600، و«الميركافا 3» المحسنة وعددها 550، علماً أن جيش العدو يمتلك في أسطوله البري 5500 ناقلة جند من طراز «M113».