بينما يميل الكثيرون إلى “الذهب” باعتباره ملاذ آمن في أوقات الأزمات للحفاظ على قيمة أموالهم، ومع اتجاهه العام الصعودي، إلا أن خبراء مثل الملياردير ورجل الأعمال الأميركي الشهير، وارن بافيت، لا ينصحون دائماً بالاستثمار فيه.. لماذا؟
نظرًا لأنه يميل إلى التحرك بطرق مختلفة عن الاستثمارات التقليدية، فقد يكون الذهب وسيلة مناسبة للتنويع بالنسبة لبعض المستثمرين “ولكن لا تجعله لبنة رئيسية في محفظتك الاستثمارية”.
وحتى مع وجود توقعات إيجابية، يتعين أن يلعب الذهب دورًا مختلفًا تمامًا في محفظتك الاستثمارية عن الأسهم أو السندات، كما يقول خبراء الاستثمار، بحسب تقرير لشبكة CNBC.
يشير التقرير إلى أنه “سواء كنت تحتفظ به في حساب الوساطة الخاص بك أو تخزن العملات المعدنية والسبائك في خزانتك، فإن الذهب هو أحد الأصول التي لا تنتج أي شيء.. ولهذا السبب فإن أشهر مستثمر على المدى الطويل في العالم لا يلمس هذه الأشياء أبدًا”.
في رسالته إلى المساهمين في العام 2011 ، أشار بافيت إلى أنه مقابل ثمن الحصول على كل الذهب في العالم، يستطيع المستثمر شراء كل الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة مع ما يكفي من المال لشراء شركة إكسون موبيل 16 مرة. وبالعودة بعد قرن من الزمان، ستجد أن أحد هذه الخيارات سوف يحقق وفرة من المحاصيل وأرباحًا وافرة. أما الآخر فسيظل عبارة عن كمية كبيرة من الذهب!
وأضاف: “صحيح أن الذهب يتمتع ببعض المنفعة الصناعية والزخرفية، ولكن الطلب لهذه الأغراض محدود وغير قادر على استيعاب الإنتاج الجديد.. وفي الوقت نفسه، إذا كنت تمتلك أونصة واحدة من الذهب إلى الأبد، فسوف تظل تمتلك أونصة واحدة من الذهب إلى الأبد” في إشارة إلى كون المعدن النفيس غير منتج.
الذهب “غير مُنتِج”
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن من بين الأسباب الرئيسية التي تجعل بعض الخبراء يحجمون عن توصية الذهب كاستثمار رئيسي:
طبيعة المعدن النفيس “غير المنتجة”؛ ذلك أنه يُنظر إلى الذهب على أنه أصل سلبي لا ينتج أي دخل أو أرباح دورية.
يتأثر الذهب بالتقلبات الكبيرة في الأسعار بناءً على العوامل الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، وهذا يعني أن قيمته يمكن أن تتأرجح بشكل كبير في فترات قصيرة، مما يجعله استثمارًا محفوفًا بالمخاطر لأولئك الذين يبحثون عن الاستقرار والأمان في استثماراتهم.
يختلف عن الأسهم التي يمكن أن تولد أرباحًا من خلال الأعمال التجارية الكامنة وراءها، وحتى عن العقارات التي يمكن أن تولد دخلاً من الإيجارات على سبيل المثال.
واستشهد بمدى تذبذب الذهب خلال السنوات الأخيرة، بعد أن أثرت عليه الأزمات الاقتصادية والسياسية، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008 وجائحة كوفيد-19، ما نتج عنه ارتفاعات حادة في أسعار الذهب، تليها تراجعات ملحوظة بمجرد استقرار الأوضاع.
وسلط أرشيد الضوء على تكلفة تخزين وتأمين الذهب، خصوصًا الذهب المادي مثل السبائك والعملات الذهبية، على العائد الإجمالي للاستثمار فيه. فبينما تتطلب بعض الأصول مثل الأسهم أو السندات تكاليف إدارية وعمولات، قد تكون تكلفة حفظ الذهب وتأمينه أعلى نسبياً، مما يقلل من فعاليته كاستثمار على المدى الطويل، معتبرًا أن هذا العامل بالتحديد يمكن أن يؤثر سلباً على العائد الصافي من الاستثمار في الذهب، خاصة إذا كان يشكل جزءاً كبيراً من المحفظة الاستثمارية.
وبناء على ما سبق يفضل الكثير من المستثمرين الاستثمار في الأصول التي تقدم عوائد دورية أو إمكانية نمو رأس المال على المدى الطويل.
في السياق، يستشهد مستثمرون مختلفون بأسباب متعددة لامتلاك الذهب، الذي يتمتع بسمعة طيبة في الحفاظ على قيمته أو زيادتها خلال فترات التضخم، ومن ناحية أخرى، فإنه يعتبر مخزنًا للقيمة في حالة انخفاض قيمة النقود الورقية بشكل كبير.
ومن المتوقع أيضًا بشكل عام أن يستمر هذا الأمر في ما يسمى بأسواق “تجنب المخاطرة”، عندما يميل المستثمرون إلى الفرار من الأسعار الأكثر خطورة، مثل الأسهم، إلى أصول الملاذ الآمن، بما في ذلك الذهب والسندات.
وهذا يعني أن المستثمرين يميلون إلى شراء المزيد من الذهب في الفترة التي تسبق وأثناء فترات الركود والأسواق الهابطة.
مخزن قيمة
وإلى ذلك، يؤكد خبير أسواق المال، المحلل الاقتصادي ، الدكتور حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الذهب هو “مخزن للقيمة”؛ لأنه لا يتدهور ويمكن استبداله بسلع أخرى ويكون الملاذ الآمن فى الأزمات الاقتصادية والسياسية.
وأفاد المحلل الاقتصادي بأن بعض الأشخاص الذين لديهم القدرة على امتلاك الأسهم أو الذهب يقارنون بينهما من حيث القيمة المستقبلية لكل منهما واختيار ما يعتقدون بأنه سيكون له قيمة أكبر خلال فترة زمنية معينة.
وهنا يشار لامتلاك الذهب بقصد الاستثمار على المديين المتوسط والطويل وليس على سبيل المضاربة.
وأكد الغايش أن هناك مدارس مختلفة في الاستثمار سواء في الذهب وغيره من الأصول والأوعية الادخارية الأخرى، الفيصل فيها في تفضيل وسيلة عن أخرى يرتبط بدرجة المخاطر المستقبلية وطبيعة التقلبات المحتملة.
وأضاف: “بعض المستثمرين لديهم وجهات نظر مختلفة وذلك على أساس أنهم يقومون بالتنويع في استثماراتهم على حسب درجة المخاطر سواء الاقتصادية والجيوسياسية.. وقد نجد أن بعضاً منهم يفضل الاستثمار فى الأسهم عن الذهب في ظل الأزمات على أساس أن أسعارها تكون منخفضة مقارنة بأسعار الذهب، ولكن على الأجل الطويل ستجني أرباحًا مضاعفة عن أي ارتفاعات كبيرة فى سعر الذهب”، على حد قوله.
ما يجب معرفته قبل شراء الذهب؟
إذا كنت ترغب في إضافة الذهب إلى محفظتك، فإن أسهل طريقة هي صناديق الاستثمار المتداولة التي تتبع سعر الذهب. إذ يتيح لك القيام بذلك تتبع أداء الذهب مقارنة ببقية محفظتك ويمنعك من إنفاق مبالغ كبيرة لامتلاك الذهب الفعلي، بحسب تقرير شبكة CNBC المشار إليه، والذي أشار إلى أنه:
على مدار الـ 15 عامًا الماضية، حققت صناديق الاستثمار المتداولة التي تتبع السعر الفوري للذهب عائدًا سنويًا بنسبة 5.5 بالمئة مقارنة بعائد 15.3 بالمئة في مؤشر S&P 500.
أما بالنسبة للتضخم، فإن سجل الذهب عبارة عن حقيبة مختلطة. على الرغم من التضخم الثابت منذ عام 1988، فقد حقق الذهب عائدًا سلبيًا خلال 18 عامًا تقويميًا، بما في ذلك عامي 2021 و2022، وهي سنوات شهدت تضخمًا مرتفعًا بشكل خاص.
يفضل بعض المستثمرين الاحتفاظ بتخصيص صغير من الذهب لأنه يوفر راحة البال عندما تكون الأصول الأخرى في انخفاض.
ما العوامل التي ساعدت الذهب على الارتفاع؟
ونقل التقرير عن مؤلف كتاب “الركائز الأربع للاستثمار”، ويليام بيرنشتاين، قوله:”عندما تتدهور كل الأمور الأخرى، فإن الذهب هو الشيء الوحيد الذي من المرجح أن يحقق نتائج جيدة”. ويشبه ذلك بـ “التأمين على المنزل” والذي يكون له أيضًا عائد مرتفع عندما تتعرض لحريق.
ولكن على المدى الطويل، ستكون أفضل حالًا مع الأصول التي ستنمو وتحقق عوائد بمعدل مضاعف (..).
وبدوره، أشار الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، لأهمية “التنويع” في الاستثمار والادخار، وأن يكون الذهب جزءاً من هذه المحفظة، كملاذ آمن.
وأضاف الإدريسي: هناك من يرفض ذلك؛ بالنظر إلى العوائد الاستثمارية الأخرى من استثمارات أو من تجارة وخلافه.. وعلى الجانب الآخر يظل الذهب وسيلة استثمارية مفضلة لمن لا يملك موهبة الاستثمار والتجارة ويسعى للحفاظ على مدخراته.