رضوان عقيل – النهار
فوجىء لبنان يوم الجمعة الفائت بتحذير وزارة الخارجية الروسية لرعايا بلدها بالامتناع عن زيارة لبنان الامر الذي دفع السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار الى طلب موعد على جناح السرعة من نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف للاستفسار منه عن هذا الاجراء الذي يأتي على خلفية سخونة الاوضاع في لبنان والمنطقة في ظل الحديث عن اقدام ايران على توجية ضربة لاسرائيل ولو من باب الحفاظ على الردع وليس الدخول في حرب مفتوحة، ردا على استهداف قنصليتها في دمشق. ويقول المسؤولون الروس ان الاجراء الذي اتخذوه حيال لبنان يصدر في شكل روتيني حفاظاً على سلامة مواطنيهم على غرار ما تفعله بلدان غربية وعربية وسبق لقاء بونصار – بوغدانوف قبل ساعتين من اليوم نفسه استقبال الثاني للسفيرة الاسرائيلية في موسكو سيمونا هالبرين التي تسببت بأكثر من ازمة مع الكرملين والخارجية الروسية جراء مواقفها وقد مضى على وجودها في موسكو اشهرا قليلة. وكان رد بوغدانوف بانه حريص على أمن لبنان وعلى استمرار افضل العلاقات معه والوقوف الى جانب شعبه على غرار السياسة التي يتبعها الكرملين منذ سنوات طويلة.
وفي المعطيات التي دفعت روسيا الى اعلان هذا التحذير ان الخارجية عبر قنواتها الديبلوماسية والامنية تلقت جملة اشارات ان ايران مصممة على توجيه ضربة عسكرية من باب الرد على اسرائيل. وهذا ما سمعته من السفير الايراني كاظم جلالي الذي لم يحدد بحكم موقعه الديبلوماسي طبيعة الرد والمدى الذي سيصله مع تأكيد انه سينطلق من الاراضي الايرانية وليس من بلدان الجوار التي يوجد فيها ايرانيون مثل العراق وسوريا ولا من لبنان بواسطة “حزب الله”. ولم يخف بوغدانوف قلقه من تدهور الاوضاع في غزة وجنوب لبنان وامكانية ان تتدحرج الامور نحو الاسوأ اي الوقوع في حرب اقليمية في حال حصول الرد الايراني “نتيجة التعنت الاسرائيلي” واستمرار ألته العسكرية في استهداف الفلسطينيين وقتلهم. ويلتقي مع وجهة نظر ايران وكرامة بلدها وشعبها وصورتها. واثار مثل هذا الموقف حفيظة السفيرة الاسرائيلية. وترى موسكو ان اسرائيل واميركا تتحملان مسؤولية ما وصلت اليه التطورات الاخيرة وهي تتمنى ان يكون الرد في حال اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن ان يكون مدروساً بعناية من اجل ان لا يؤدي الى مواجهة كبرى بين البلدين بغية عدم الوصول الى “الانفجار الكبير” في المنطقة.
ولم توافق هالبرين على تبني موسكو الرواية الايرانية اذ تقول الاولى ان القنصلية في دمشق تحولت مركزا للحرس الثوري الايراني ونشاطاته ضد اسرائيل، ورد عليه بوغدانوف ان هذا الكلام غير مقنع على مستوى كل المعايير الديبلوماسية والسياسية وان تل أبيب في النهاية استهدفت مقراً ديبلوماسياً. وان لدى موسكو الكثير من الانتقادات على اداء اسرائيل في حربها ضد ابناء غزة “ولو اننا لم نتبن عملية حماس انطلاقاً من رفضنا لعمليات الارهاب “الذي استهدف موسكو يضاً”. وترد هالبرين هنا بان “حماس منظمة ارهابية” وسبق لها ان انتقدت استقبال موسكو وفدا من الحركة. وينقل زوار بوغدانوف انه بعد هذا الكلام يخرج عن تحفظه الديبلوماسي قليلاً ليتهم اسرائيل واميركا وغيرها من بلدان العرب “التي تدعم الرئيس فلاديمير زيلنسكي. انتم استهدفتم مقرا يضع على مدخل بوابته الرئيسية لوحة ديبلوماسية لم تعملوا على احترامها. وان الايرانيين في النهاية من حقهم ان يدافعوا عن انفسهم وان لا تستهدفوا مقارهم الديبلوماسية”. لم تتلق السفيرة كل هذا الكلام بارتياح وبقيت مصرة على وجهة نظر تل ابيب وما يردده بنيامين نتنياهو في هذا الخصوص. وخاطبت بوغدانوف “اذا تعرضنا لاي اعتداء ايراني على ارضنا سنرد. عليكم ان تنصحوا طهران بعدم الاقدام على هذا الفعل ولتفهم الاخيرة كلامنا هذا على شكل رسالة تهديد”. ولكل هذه المعطيات التي تلقتها موسكو من السفيرين الايراني والاسرائيلي دفعتها الى تحذير رعاياها ولو موقتاً من التوجه الى لبنان والمنطقة.
في غضون ذلك لم تولد هذا الحساسية الاسرائيلية حيال موسكو بنت ساعتها على ضوء استهداف القنصلية الايرانية، فقبل اسبوعين عقدت الخارجية الروسية برئاسة الوزير سيرغي لافروف طاولة مستديرة في اكاديمية الديبلوماسية الروسية جمعت 74 سفيراً والقيت خمس مداخلات كان أبرزها للسفير بو نصار الذي يشغل موقع عميد السلك العربي في موسكو التي تناول فيه حقيقة الارهاب الاسرائيلي في غزة ولبنان اذ يتعرض الاخير لسنوات طويلة للتهديد الاسرائيلي. وقدم مطالعة نالت ترحيب العدد الاكبر من المشاركين وتقاطع في نقاط عدة مع صديقية لافروف وبوغدانوف. وتلقت السفيرة الاسرائيلية باعتراض شديد كلام بونصار الذي استند الى ثوابت قانونية كيف ان اسرائيل لم تكتف بقتل الفلسطينيين حيث تجاوز عدد الشهداء الـ 35 الفا وتجاوز كل القواعد في استهدافه عاملين في الامم المتحدة وناشطين في منظمات دولية. وتبلغت من موسكو انها غير قادرة على منع ايران من الرد الذي تحدث عنه المرشد السيد علي خامنئي. ودافعت هالبرين “عن اسرائيل الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرفق الاوسط وان جيشها يحترم ىالقواعد الدولية والا لسقط عدد اكبر من ابناء غزة”.
ودفع كلامها هذا الى الرد وبقوة من لافروف الذي لم يتقبل كلامها وذكرها بوصف مسؤولين سياسيين وعسكريين في تل ابيب الفلسطينيين بـ” الحيوانات” على غرار الاسلوب نفسه الذي “قاله زيلنسكي في وصف الاقلية الروسية في اوكرانيا”. ولم يفوت لافروف التذكير على مسمع رؤساء البعثات في دولته ان موسكو في النهاية تحرص على استتباب الامن في بلدان الشرق الاوسط ” وتحرص في الوقت نفسه على امن اسرائيل والجميع” مع ابداء تأييدها لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.