عبدالله ناصرالدين
منذ أكثر من ثلاثة عقود، لم يكن اسم دولة الرئيس نبيه بري مجرّد عنوان سياسي في الحياة اللبنانية، بل شكّل برمزية حضوره ومتانة موقعه ودقّة مواقفه، أحد أعمدة الدولة اللبنانية وركنًا أساسيًا في هندسة التوازنات الوطنية. فهو رجل الدولة العابر للطوائف والمناطق، قائد الحوار في الأزمات، وصاحب الدور المركزي في تثبيت الاستقرار البرلماني والسياسي في كل مرحلة حرجة.
احترامه لا يقتصر على الداخل اللبناني، بل يتعدّاه إلى الإقليم والعالم. فالرئيس بري يتمتع بعلاقات استراتيجية مع العواصم العربية الكبرى، وعلى رأسها القاهرة والرياض وكل دول الخليج وبغداد، بالإضافة إلى علاقات متينة مع إيران، وعلاقات رصينة مع باريس، روما ، وكما قال الموفد الأمريكي “The Boss” ، بالإضافة إلى مراكز القرار الدولي. وهذا ما جعله دائمًا الوسيط الموثوق به لبنانيًا وعربيًا، والضامن لأي اتفاق.
من 1992 حتى 2022: مسيرة انتخابية ممهورة بالثقة
منذ انتخابه رئيسًا للمجلس النيابي لأول مرة عام 1992، أعيد انتخاب الرئيس بري في كل دورة نيابية، محققًا نسب تصويت وازنة، كانت تعكس موقعه الشعبي والسياسي والوطني:
- 1992: انتُخب بأغلبية 105 أصوات من أصل 128.
- 1996: أعيد انتخابه بـ 122 صوتًا.
- 2000: نال 124 صوتًا.
- 2005: 90 صوتًا (في ظل مناخ سياسي منقسم بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري).
- 2009: 90 صوتًا.
- 2018: 98 صوتًا.
- 2022: 65 صوتًا (وسط انقسامات حادة وحملات إعلامية مركّزة).
ورغم حملات التشويه والتحريض، بقي الرئيس بري الرقم الثابت الذي يصعب تجاوزه، والنقطة الجامعة حتى في أشد الانقسامات.
نحو انتخابات 2026: معادلات متغيرة وثقة ثابتة
إذا ما نظرنا إلى الخارطة النيابية المتوقعة لما بعد انتخابات 2026، يتضح التالي:
- كل النواب الشيعة البالغ عددهم 27 سيكونون إلى جانب دولة الرئيس نبيه بري، كما في كل الاستحقاقات.
- يتوقّع أن يحظى بدعم شبه كامل من نواب السنة ، لما له من علاقات وثيقة وتاريخية مع الطائفة السنية ومرجعياتها.
- نواب الدروز والعلويين سيكون اغلبهم في صفه كما جرت العادة.
- أما على المستوى المسيحي، فالمعادلة تتغير: من المتوقع أن تفقد القوات اللبنانية مقعدي جزين، مع خسائر محتملة في دوائر أخرى بسبب تقلص شعبيتها وتبدّل المزاج الشعبي (وقانون الانتخابات)، ما قد يرفع عدد النواب المسيحيين المستقلين المؤيدين لبري (حصراً) إلى ما يقارب 15 نائبًا، بالاضافة الى خيار التيار الوطني الحر الذي يمكن أن يكون قريب في الفترة القادمة.
كما أن الاقتراح الجاري لمناقشته حول قصر الانتخابات على 128 نائبًا مقيمين (من دون المغتربين) يُرجّح الكفة لمصلحة كتل حليفة للرئيس بري، ويُحدث مفاجآت تطال قوى لطالما استفادت من أصوات الخارج.
بناء على هذه المعطيات من المرجح أن ينال دولة الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي 2026 الأرقام التالية:
- 27 شيعي
- 24 سني (معظمهم مؤيدون)
- 8 دروز وعلويين
- 15 مسيحيًا على الأقل
قد يحصل الرئيس بري على ما بين 70 إلى 75 صوتًا في انتخابات رئاسة المجلس النيابي 2026، ما يثبت مجددًا أنه الرقم الأثقل في المعادلة النيابية.
لذلك يمكننا الاعتبار اننا في زمن تتآكل فيه المؤسسات وتتهاوى التحالفات، يبقى دولة الرئيس نبيه بري الرقم الصعب، الحاضر بثقة في كل مفصل وطني، والمُجسّد لإرادة العيش المشترك والدولة. أما انتخابات 2026، فهي لن تكون استحقاقًا عادياً، بل تجديدًا لثقة مستحقة بشخصية استثنائية في زمن استثنائي.

