بات واضحًا، بعد أسبوع من الضربات الصاروخية الإسرائيلية في قطر، أن محاولة اغتيال قادة حماس لم تفشل فحسب، بل جاءت بنتائج عكسية.
لقد عززت الغارة الشعور داخل إدارة ترامب وحول العالم بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متهورة وأصبحت قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
كانت خطة إسرائيل تستهدف تصفية عدد من كبار قادة حماس دفعة واحدة أثناء اجتماعهم لمناقشة مقترح الرئيس ترامب للسلام في غزة، فقُتل خمسة من أعضاء حماس إلى جانب ضابط أمن قطري، لكن جميع الأهداف الرئيسية نجت من الضربة.
وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية لموقع “أكسيوس”: “لم يُقتل أي من كبار قادة حماس. ربما كان هناك بعض المصابين بالصدمة”.
وادعى نتنياهو أن الفكرة كانت أن إبعاد شخصيات حماس المتعنتة سيسهل التوصل إلى اتفاق تبادل رهائن ووقف إطلاق النار، لكن الهجوم الفاشل ادى إلى تعليق المفاوضات إلى أجل غير مسمى، فقد اختفى مفاوضو حماس تحت الأرض، وأوقف الوسطاء القطريون جهودهم غاضبين.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع لـ”أكسيوس” إن حماس كانت تتحرك “في اتجاه صفقة” وكان “بوسعنا تحقيق اختراق خلال أيام”، لكنه أكد أن الضربة قوّضت المفاوضات.
أراد نتنياهو زيادة الضغط على قطر للضغط على حماس، لكن الهجوم أدى إلى موجة تضامن دولي مع الإمارة الخليجية، فقد استضاف ترامب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في “برج ترامب”، كما استقبله نائب الرئيس فانس في البيت الأبيض، فيما توجه وزير الخارجية ماركو روبيو إلى الدوحة لمناقشة اتفاق دفاعي مع قطر.
كما أصدر عشرات من القادة الغربيين والعرب بيانات تندد بإسرائيل وتؤيد قطر، وتوافد قادة عرب ومسلمون إلى الدوحة لحضور قمة طارئة يوم الاثنين.
جاءت كارثة ضربة الدوحة قبيل الذكرى الخامسة لاتفاقيات أبراهام بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، وكان ترامب قد تولى منصبه راغبًا في إضافة دول أخرى إلى تلك القائمة، لكن ذلك يبدو أبعد من أي وقت مضى.
بدا أن قادة قمة الاثنين يتسابقون في توجيه أشد الانتقادات لإسرائيل، ففي بيان مشترك عند اختتام القمة، عبّرت الدول المشاركة عن شكوكها في إمكانية إقامة أو الحفاظ على علاقات مع إسرائيل.
ووجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسالة مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي في خطابه، محذرًا من أن حكومة نتنياهو تعرض اتفاقية السلام بين البلدين للخطر.
ولم يُبلغ نتنياهو ترامب بالضربة إلا قبل وقت قصير من تنفيذها، ويواصل ترامب التأكيد أنه لم يتلق أي إخطار مسبق، رغم أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا “أكسيوس” أنه تحدث إلى نتنياهو قبل ساعة من بدء الضربة.
ولكن موجة الغضب في قطر والمنطقة أجبرت البيت الأبيض على اتخاذ موقف دفاعي، فيما أثارت الخطوة غضب الكثيرين في فريق ترامب بسبب القرار وغياب التشاور الملائم.
وقال مسؤول أمريكي إن بعض أعضاء الإدارة نصحوا الإسرائيليين باتخاذ خطوات لمعالجة الموقف.
ورفض نتنياهو خلال مؤتمر صحفي مع روبيو يوم الاثنين، الادعاء بأن الضربة فشلت.
وقال: “لم تفشل لأنها حملت رسالة مركزية، وقد فكرنا فيها قبل أن ننفذها، وهي: ‘يمكنكم الاختباء، يمكنكم الفرار، لكننا سنصل إليكم.’ كنا نسعى لإيصال رسالة للإرهابيين أنهم ليسوا في مأمن في أي مكان في العالم”.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير شارك في المناقشات السابقة للهجوم إن أوامر نتنياهو كشفت عن حالته الذهنية الحالية: “لقد وقع في غرام لعب دور المتنمر الإقليمي، الذي لا يستطيع أحد أن يتوقع خطوته التالية”.
وألقى نتنياهو مزيدًا من الضوء على حالته الذهنية في خطاب في القدس بعد اجتماعه مع روبيو، حين وصف إسرائيل بأنها “إسبرطة عظمى”.
وصدم كثيرين عندما قال إن العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل وإمكانية فرض حظر تسليح وعقوبات مستقبلية تعني أن الوقت قد حان لبناء اقتصاد يعتمد على الذات.
ثم أوضح لاحقًا أنه كان يقصد الاكتفاء الذاتي في إنتاج السلاح فقط، لا قطع التجارة كليًا، لكن الأوان كان قد فات، إذ كانت بورصة تل أبيب قد شهدت بالفعل هبوطًا حادًا.